تسجيل دخول

سر نجاح جهاز الأمن والمخابرات الصومالي

  • كتبه فهد ياسين (مستشار الأمن القومي الصومالي ومدير السابق لــ "جهاز الأمن والمخابرات الوطني)
  • نشر في مقالات
  • 0 تعليقات
مميز فهد ياسين (مدير الأمن القومي الصومالي ومدير السابق لــ "جهاز الأمن والمخابرات الوطني) فهد ياسين (مدير الأمن القومي الصومالي ومدير السابق لــ "جهاز الأمن والمخابرات الوطني)

الكاتب: فهد ياسين (مستشارالأمن القومي الصومالي ومدير السابق لــ "جهاز الأمن والمخابرات الوطني)

في موسم الخريف في 15 أغسطس 2018  عينني فخامة رئيس جمهورية الصومال الفيدرالية السيد محمد عبد الله فرماجو، نائبًا لمدير جهاز الأمن والمخابرات الوطني.

حقا كانت مسؤولية كبيرة ووظيفة جديدة بالنسبة لي، ولكنني كنت أرى أهمية عمل "المخابرات والأمن"  وهي  تحقيق الأمن ومصالح العليا للوطن ، والهدف الأساسي هو توفير معلومات موثوقة تجعلنا نثق بالكامل بجهاز المخابرات.

مرحلة إكتشاف الجهاز

في البدء بدأت عملية جمع البيانات ومراقبة سير عمل الجهاز مع التفكير بأهداف جهاز الأمن والمخابرات الوطني أدركت ولاحظت ثلاثة أشياء مهمة للغاية.

الملاحظة الأولى: أن بناء وطن  وتطويره ومقياس قوته مرتبط بقوة جهاز مخابراته وأمنه والملاحظة الثانية  أنني التقيت مع ضباط ومنتسبي الجهاز ذوي معرفة ومهارات التى تطورت منذ تأسيس الجهاز في عام 1970م  وهم مسلحين بالإخلاص والوطنية. والملاحظة الثالثة أنني وجدت في الجهاز شبابًا موهوبين ومتعلمين ينقصهم فقط إعادة تنظيمهم  لكي يواجهوا المنظمات الإرهابية والجماعات المنظمة الأخرى التي تهدد أمن بلدنا. وتهيئة وتمكين الجهاز التغلغل داخل العدو والحصول على معلوماتهم .

إن التنسيق بين تلك الملاحظات الثلاثة يؤدي أن السلام والازدهار لشعبنا يعتمد على تطوير وتعزيز المخابرات الوطنية ، لأن الدولة التي تفتقر إلى الأمن الموثوق به لن تحقق التنمية والازدهار الذي تسعى إليه.

إن التنسيق بين تلك الملاحظات الثلاثة يؤدي أن السلام والازدهار لشعبنا يعتمد على تطوير وتعزيز المخابرات الوطنية ، لأن الدولة التي ينقصها الأمن الموثوق به لن تحقق التنمية والازدهار الذي تسعى إليه.

استندت توجيهات وتوصيات الرئيس محمد عبد الله فرماجو ، التي بدأت عملي بها،  على تحقيق هدفين هما  أولا: استعادة قوة وجودة  جهاز الأمن والمخابرات الوطني للتنافس مع نظرائها الإقليميين والقاريين ، والمواكبة   مع عالم الاستخبارات الحديثة ، والوفاء بمسؤولياتها تجاه الأمن القومي في الداخل والخارج. وثانيا : استعادة ثقة الشعب الصومالي بجهاز الأمن والمخابرات الوطني، وأن تبدأ تلك الثقة من تحقيق أمن واستقرار العاصمة مقديشو ، وجعل أمن العاصمة مسألة تحظى باهتمام جماعي.

وكان مما يقلق فخامة الرئيس فرماجو باستمرار عدد القتلى والجرحى نتيجة التفجيرات وتصفية وجهاء الشعب، وكانت تتم إحاطة الرئيس  بإحصائيات شهرية عن الوضع الأمني في البلاد ، لا سيما وضع العاصمة ، ففي بعض الأشهر كان هناك أكثر من 85 جريمة إرهابية، تشمل على انفجارات وتصفيات مباشرة وتدمير ممتلكات ، مما كان يسفر عن وفيات وإصابات وإلحاق أضرار بالممتلكات.

 بعض الإنجازات

 أصبح بناء  قوة "حماية الشعب" بالزي المدني مشروعًا مثمرًا ، وأصبحت تلك القوة الصديق الأول للشعب، وأدى المستوى العالي من التدريب وبناء القدرات للشباب المتعلم إلى بناء  قوة "حماية الشعب"

وتجب الإشارة هنا إلى أنه تم عرض جندي من قوة "حماية الشعب" على منصب رئاسة حي من أحياء العاصمة مقديشو ولكنه رفض العرض قائلا " عملي في قوة "حماية الشعب" هي أفضل وظيفة يمكنني القيام بها لخدمة الوطن وهي حماية  أرواح وممتلكات مجتمعنا" وهذا نموذج يدل على مدى اعتزاز الشباب الصومالي  -منسوبي "حماية الشعب"- تحقيق أمن المجتمع والأمن القومي.

 تم وضع خطة الاعتماد الذاتي ، وكانت خطة طموحة جدًا أرست الأساس لإنشاء جهاز يعتمد ويقوم على العصف الذهني للمهنيين الشباب المدربين ، والعمل على تحويل أفكارهم ومقترحاتهم إلى أفعال يشهد الشعب على أثارها وتصبح لصالح الوطن!

نتيجة لهذه الخطة ، حققنا الاستغناء عن أي عمل معلوماتي أو استخباراتي لم يتم بلورته داخل الجهاز او ليس تحت سيطرتنا والذي يخدم  ويرتبط  بالدعم المستمر من جهات أجنبية.

وكانت سياسة أو خطة الإعتماد الذاتي  أفضل نصيحة تلقيتها على الإطلاق. قادتنا هذه النصيحة إلى قيادة جهاز الأمن والمخابرات الوطني بخبرات وأفكار مبتكرة من الشباب الصومالي الذين يحبون تطوير بلدهم.

 كنا نجرى تقييما للأداء الفصلي على أساس ربع سنوي؛ وكانت النتيجة تحسن مطرد للوضع الأمني في البلاد ، وانخفاض عدد الوفيات بسبب الأعمال الإرهابية المختلفة ، وقدر الانخفاض العمليات الإرهابية  90% حيث لم يتم تسجيل عمليات قتل أو أصابة في بعض الأشهرسوى تسع حالات او اقل  مقارنة بالسنوات السابقة.

وكانت تلك النتائج المبهرة لــ الرئيس ولجميع القيادات مصدراً للفرح وشعورا بالتقدم ، مما جعلهم يشجعون باستمرار على العمل الممتاز  بشكل خاص على الجهاز ومنسوبيه  وبشكل العام الأجهزة الأمنية الوطنية الأخرى(الجيش والشرطة).

الجهاز بين الماضي والحاضر

 في الحرب الباردة ، كان جهاز الأمن والمخابرات الوطني  يشار إليه بالبنان وكان له تأثير عميق على السياسة العالمية والعلاقات الدولية.

أخبرنا بعض قادة أجهزة المخابرات الدول أفريقية التي التقيتها في أوقات مختلفة كيف ساهمت المخابرات الصومالية في الماضي في بناء بلدانهم وإنشاء أجهزتهم الأمنية والإستخبارات، من حيث التدريب والمعدات.

والجدير بالذكر أن مدير جهاز إحدى أجهزة المخابرات الأفريقية الذين زارني في مقديشو  افتتح اجتماعنا بالقول "إنه تلقى أول تدريب له داخل هذا المقر الرئاسي لجهاز الأمن والمخابرات الوطني –الصومالي- (NISA)عندما تم تأسيس جهاز بلادهم  في عام  1979" ، وطلب منا مرة أخرى توفير تدريب لجهازهم بخصوص محاربة الإرهاب.

إشادة دولية للجهاز

يؤكد حاليا وكالات الاستخبارات الأكثر نفوذاً في العالم أن جهاز الأمن والمخابرات الوطني (NISA) هي واحدة من أقوى أجهزة المخابرات في مجال محاربة الإرهاب في إفريقيا ، ويطلع الجهاز دور ريادي في منطقة القرن الأفريقي ، ويقود الحرب ضد الإرهاب ، ويحظى الجهاز على ثقة الأجهزة الصديقة في مجال المعلومات الاستخبارية وخبرته في مجال محاربة الإرهاب.

وخلال السنوات الثلاث التي أمضيتها كمدير عام جهاز الأمن والاستخبارات الوطني، قام 8 مدراء عامين لأجهزة المخابرات الأكثر نفوذاً وتأثيراً في العالم، والأجهزة الأفريقية منهم  بعض جيراننا أو نشترك في  نفس التهديدات  والمخاطر الأمنية ، بزيارات رسمية إلى مقديشو، وكانوا جميعا  يفهمون بعمق  قدرات وخبرات الحالية لضباط المخابرات الصومالية.

 قصص إنسانية مذهلة

 لن تمحو من  ذاكرتي ولن أنسى أبدًا القصص المذهلة التي أدت إلى  نجاحات كان لها تأثير عميق على الأمن والاستقرار. بالطبع لا يمكنني سردها جميعًا ولكن سأحكي  قصة واحدة أو اثنتين ؛مرة اكتشفنا أن مسؤولا من الجهاز  تزوج عرفيا(زواج سري معمول في الصومال)  من إحدى أعضاء حركة الشباب التي كانت مسؤولة عن التجسس على المخابرات الصومالية. هذا الضابط كان الضابط الثاني الذي تتزوجه تلك المنتمية والعميلة (العميلة المنتهمية)لحركة الشباب وكانت تهدف من وراء الزواج العرفي الحصول على ملاذ آمن وتسهيل عملها التجسسي من خلال المسؤول وفي نهاية إغتياله.

وصدرت أوامر لـ"الضابط" أن يتصرف على سجيته كزوج وأن يحصل عنها معلومات الشبكة التي تعمل معها،  ونتج عن  تلك العملية اعتقال 12 عنصرا من حركة الشباب كانوا يعملون في مواقع مختلفة، وتم تقديمهم للتحقيق ، وبعد ذلك تمت إدانتهم وأصدرت المحكمة العسكرية أحكامًا مختلفة بحقهم.

والقصة الثانية هي أنه كانت هناك أم وربة بيت أكملت شروط العضوية والانضمام إلى جهاز الأمن والمخابرات الوطني (NISA)، وأثناء استعداد تدريبها، كان المطلوب قراءة وملء استمارة (العضوية ) وتوقيعها وعندما قرأت الأم الإستمارة التي كان من المفترض أن توقعها، دخلت أحد المكاتب المعدة لتوقيع وإذا ابنها في المكتب يشرف على توقيع الأوراق ، الأمر الذي أدهش الأم كثيراً لأنها لم تكن على علم ؟، ولكن الجهاز أخبر الشاب في نفس ذلك اليوم وقبل اللقاء بساعة بأن في قائمة الأعضاء الجدد التي قدمت له تتضمن اسم والدته، مما جعله سعيدًا لأن والدته التي لم تكن على دراية بعمله ، اكتشفت بطريقة قانونية مكان عمل ابنها.

 سر النجاح

 إن تطوير المطرد لخدمة  جهاز الأمن والمخابرات الوطني (NISA)كان أساسه جميع شرائح المجتمع الصومالي وبعضهم يعيش في المهجر في عدة بلدان مختلفة، حيث كانوا سببا في النجاح الكبير لجهازنا. في الوقت نفسه، من المسلم به أيضا على مستوى العالم أنه لا يمكن لجهاز ما تحقيق أهدافه الاستخباراتية إلا بتوجيه من رئيس البلد والذي يتمتع برؤية وطنية بعيدة المدى. والرئيس فرماجو كان دائمًا شريكًا ورفيقا وقائدًا للقوات المسلحة الصومالية(الجيش والمخابرات والشرطة ومصلحة السجون).

ومن البديهيات بأن تطلعات الشعب الصومالي إلى حكومة مستقرة هي أساسها تنمية وبناء قدرات أجهزة الأمن الوطنية والاستخبارات. ومن المؤكد أيضا أن الشعب الصومالي سعيد بازدياد قوة واستمرارية جهاز الأمن والمخابرات الوطني الصومالي.

وعندما تقوم بأعمال حسنة ، وبنوايا حسنة ، وتستعين بضباط ومنسبوين ذوي معرفة ومهارة بعمل الإستخبارات، يمكنك أن تتوقع نتائج مبهرة لصالح الوطن.

 بقلم فهد ياسين

المدير السابق لــ "جهاز الأمن والمخابرات الوطني (NISA)

=======

ملاحظة : أصل المقال باللغة الصومالية وقامت وحدة الترجمة بموقع مقديشو برس العربي نقله إلى العربية

رأيك في الموضوع

تأكد من ادخال المعلومات في المناطق المشار إليها ب(*) . علامات HTML غير مسموحة